«الوكالة الدولية» تواكب مفاوضات مسقط: تحريض إسرائيلي متصاعد على «الاتفاق»

«الوكالة الدولية» تواكب مفاوضات مسقط: تحريض إسرائيلي متصاعد على «الاتفاق»

بعد يومين على انعقاد جولة محادثات ثالثة «إيجابية» بين إيران والولايات المتحدة، توجّه وفد فنّي تابع لـ»لوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى طهران، أمس، للقاء المسؤولين الإيرانيين، في ما يُعدّ علامة مهمّة على الجهود التي يبذلها الجانبان لحلّ خلافاتهما، حتى يَسهل تالياً الوصول إلى اتّفاق بينهما حول القضية النووية. وتأتي هذه الزيارة في أعقاب الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه خلال الزيارة الأخيرة للمدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، إلى العاصمة الإيرانية، فيما يبدو أن إيران تتحرّك نحو حلّ خلافاتها الفنية مع المنظمة، في موازاة استمرار التفاوض مع الأميركيين، خاصة أن أحد الجوانب الرئيسية للمحادثات يتعلّق بالقضايا الفنية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، من مثل مستوى تخصيب اليورانيوم، ومخزوناته، فضلاً عن عمليات تفتيش المنشآت النووية.

وقبل ساعات قليلة من وصول الفريق الفني إلى طهران، أكّد غروسي، في اتصال مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، استعداد «وكالة الطاقة» لتقديم الدعم للعملية التفاوضية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، في حين قال الناطق باسم الخارجية، إسماعيل بقائي، إن زيارة الوفد تأتي «استمراراً للمفاوضات التي جرت، الأسبوع الماضي، بين غروسي والمسؤولين الإيرانيين. ومن بين المواضيع التي تتمّ مناقشتها، قضايا الضمانات المتبقية»، داعياً الوكالة الدولية إلى أن «تقوم بدورها الفني، بعيداً من السلوك السياسي». كذلك، أکّد بقائي أن «تخصيب اليورانيوم في الداخل ورفع العقوبات بشكل عملي وحقيقي، هما خطّان أحمران بالنسبة إلى إيران»، وأن «أيّ مغامرة ضدّ الجمهورية الإسلامية ستُقابَل بردّ مدمّر».

وتزامناً مع سيْر المحادثات الإيرانية – الأميركية في اتّجاه إيجابي عقب الجولة الثالثة، وتعبير الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن تفاؤله بأن البلدين سيتوصّلان قريباً إلى اتفاق، تتصاعد المخاوف لدى إسرائيل، التي اعتبر رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، أن «أيّ اتفاق نووي مع إيران يجب أن يشمل تفكيك البنية التحتية للبرنامج النووي بالكامل، فضلاً عن الحدّ من قدرات طهران في مجال إنتاج الصواريخ الباليستية».

ورأى نتنياهو، بحسب ما أوردت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أمس، أنه «يجب عدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم أو حتى الاحتفاظ بالقدرة على القيام بذلك»، قائلًا إنه أوضح موقفه من الأمر للرئيس الأميركي. وفيما لفتت الصحيفة إلى أن مدى توافق موقف نتنياهو مع الولايات المتحدة، ليس واضحاً، نقلت عن زعيم «الليكود» تشديده على أنه «لا يمكن السماح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم»، وأن «الاتفاق الحقيقي الناجح هو الذي يقوّض قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم لصنع الأسلحة النووية».

وإلى جانب مسألة التخصيب، اقترح رئيس الحكومة الإسرائيلي أن يتم إدراج قدرة إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية أيضاً، في المفاوضات، معتبراً أن «اتفاقاً سيئاً، أسوأ من عدم التوصّل إلى اتفاق»، وأن «الاتفاق الجيّد الوحيد» سيكون على غرار نموذج الاتفاق الذي وافقت عليه ليبيا في عام 2003، والذي يُصار بموجبه إلى تفكيك برنامج طهران النووي بالكامل على الصعيدَين العسكري والمدني.

وقوبلت تصريحات نتنياهو، والتي قال مراقبون إنها تهدف إلى التأثير على المفاوضات الإيرانية – الأميركية، بردّ فعل حادّ من جانب المسؤولين الإيرانيين؛ إذ كتب عراقجي، عبر حسابه في منصة «إكس»: «إن وهم إسرائيل بأنها قادرة على إملاء ما ينبغي أو لا ينبغي على إيران فعله، هو خيال بعيد كل البعد عن الواقع ولا يستحقّ الردّ عليه»، مضيفاً: «إيران قوية بما يكفي وواثقة في قدرتها على إحباط أيّ محاولات من قِبل جهات أجنبية خبيثة لتخريب أو إملاء سياستها الخارجية. ونأمل في أن يظلّ نظراؤنا الأميركيون على نفس القدْر من الثبات». كذلك، أكّد عراقجي أنه «لا يوجد خيار عسكري، وبالتأكيد لا يوجد حلّ عسكري، وأيّ ضربة ستُقابَل فوراً بردّ انتقامي».

وفي الإطار نفسه، حذّر مستشار المرشد الإيراني، علي شمخاني، من نتائج «لا يمكن تصوُّرها» ردّاً على تهديدات نتنياهو بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية. وفي حين لم تستبعد إسرائيل مهاجمة منشآت إيران النووية خلال الأشهر المقبلة، نقلت وكالة «رويترز»، في الـ19 من الشهر الجاري، عن مسؤول إسرائيلي ومصدرَين مطّلعين، قولهم إن ترامب أبلغ نتنياهو بأن الولايات المتحدة غير مستعدّة لدعم مثل هذه العملية في الوقت الراهن.

من جانب آخر، لم تعلن السلطات الإيرانية، لغاية الآن، السبب الرئيسي لحادث الانفجار الهائل الذي وقع، السبت، في أكبر ميناء تجاري في البلاد. وقال وزير الداخلية الإيراني، إسكندر مؤمني، إنه تمّ استدعاء «بعض المقصّرين» على خلفية انفجار ميناء «رجائي»، مضيفاً أنه «تمّ تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب هذا الحادث، وتبيّن وجود تقصير، من مثل عدم الالتزام بتدابير الدفاع المدني والمعايير الأمنية».

كذلك، أشار إلى أن عدد القتلى جرّاء الانفجار، بلغ 46 شخصاً، وأن عدد المفقودين أو الجثث التي لم يتم التعرّف إليها يعادل عدد الوفيات. وکان المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، أمر، مساء الأحد، بإجراء «تحقيق معمّق» لتحديد أسباب الواقعة. وقال، في بيان عبر التلفزيون الرسمي: «المطلوب من مسؤولي الأمن والقضاء إجراء تحقيق معمّق بهدف كشف أيّ إهمال أو نيّة» وراء الانفجار.

وفي هذا الإطار، كتبت صحيفة «صبح نو»، المقرّبة من رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أن «إثارة أزمة مصطنعة لتعطيل أجواء المفاوضات والانتقام من النجاحات الدبلوماسية الأخيرة لإيران، يمكن أن تكون أسباباً قوية لعملية تخريب محتملة». وأضافت: «على أيّ حال، لا يمكن لوسيلة إعلام أن تحكم على ما إذا كان الحادث متعمّداً أم عرضيّاً، ويجب انتظار تقرير الجهات المختصّة والمسؤولين الرسميين.

لكن بالنظر إلى جوانب هذا الحادث من الناحية السياسية، وحساسية هذا الميناء من الناحية الاقتصادية، وتاريخ الهجمات على المنشآت النووية، لا يمكن استبعاد احتمال التخريب». ومن جهته، قال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإیراني، علي خضريان، أمس، إنه «بناءً على الأدلة المتوفّرة، فإن حادث ميناء الشهيد رجائي كان بسبب ضعف الأمن الداخلي وسوء الإدارة، ولم يتم، إلى الآن، تقديم أيّ دليل على تورّط عوامل أجنبية».

محمد خواجوئي – الاخبار

طهران «راضية» عن سير المحادثات: الاتفاق ممكن

طهران «راضية» عن سير المحادثات: الاتفاق ممكن

«أكثر جدّية من السابق»؛ هكذا وصف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة المحادثات الثالثة التي جمعت وفدَي إيران والولايات المتحدة المفاوضَيْن في مسقط، أول أمس، وعُقدت، هذه المرّة، على مستوى الخبراء الفنيّين للطرفَين، فيما قال عراقجي إنها كانت «أكثر جزئية وفنية وتكتيكية» من الجولتَين السابقتَين اللتَين ركّزتا بشكل أكبر على تحديد الأطر.

وکشف عراقجي، في حديث إلى مراسل التلفزيون الرسمي الإيراني في مسقط، أن «هناك خلافات في القضايا الرئيسية وفي التفاصيل»، وأن بعضها «خطير جداً، وبعضها أقلّ خطورة، وبعضها له تعقيداته الخاصة». ومع ذلك، قال: «أعتقد بأنّنا تقدّمنا بشكل جيّد حتى الآن. أنا راضٍ عن عملية المفاوضات وسرعتها.

أعتقد بأنها تسير بشكل جيد ومُرضٍ»، مشيراً إلى أن المحادثات تمّت في «أجواء جدّية وعملية للغاية»، ومجدّداً القول إن إيران تفاوض «فقط» حول الملف النووي. وفي المقابل، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول رسمي أميركي، وصفه الجولة الثالثة بـ»الإيجابية» و»البنّاءة»، مع أنه «لا يزال هناك الكثير ممّا يجب فعله، غير أن مزيداً من التقدُّم تحقَّق على طريق التوصّل إلى اتفاق».

ومع اختتام جولة السبت، أعلن وزير الخارجية العماني، بدر البوسعیدي، عبر حسابه في منصة «إكس»، أن «المحادثات الأميركية – الإيرانية ناقشت المبادئ الأساسية والأهداف والمخاوف الفنية، وستستمرّ الأسبوع المقبل من خلال اجتماع آخر رفيع المستوى، من المقرّر مبدئياً عقده في الثالث من أيار/ أيار المقبل».

ومن جهته، لفت عراقجي إلى أنه «من المحتمل أن تكون الجولة التالية السبت المقبل، وستقوم الدولة المضيفة، وهي عمان، بترتيب التفاصيل وإبلاغ الطرفين». وفي سياق متّصل، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن مصدر، إلى أنه «من المُرجّح أن تُعقد الجولة الرابعة خلال الأسبوعين المقبلين. استمرار المحادثات يظهر أن الطرفين، جادّان».

وفيما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن خلافاً رئيسياً برز بين طهران وواشنطن خلال الجولة الثالثة حول استمرار تخصيب اليورانيوم والبرنامج الصاروخي الإيراني، أكّدت صحيفة «إيران» الحكومية أن «الموضوع النووي والعقوبات فقط»، يشكّلان مادة المحادثات، وأن «الطرف الإيراني لا يناقش أيّ موضوع آخر».

وقالت الصحيفة: «لقد أمسكت الفرق الفنية، وبمواكبة الدبلوماسيين، بدفّة المحادثات الشاقّة، بما فيها متاهات العقوبات، وتحمّلت عبء أكثر أقسام المحادثات حساسيّة.

المحادثات يجب أن تمرّ عبر الطبقات الدقيقة والفنية للبرنامج النووي، حيث النقاشات الخلافية لا تزال موجودة. ووضع الطرفان شروطهما وانتظاراتهما على الطاولة، بحيث جعلت هذه الصراحة، أرضية المحادثات، أكثر تصلبّاً وحساسيّة».

من جانبها، أشارت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية، في مقال للمختصّ في الشؤون الدولية حسن بهشتي بور، إلى «تخطّي فريقَي المفاوضات الإيراني والأميركي الخطوط العريضة والولوج في التفاصيل. وعلى الرغم من أن الاتفاق المُنتظر يواجه تحدّيات مِن مِثل نسبة التخصيب ومصير مخزونات اليورانيوم المُخصّب، غير أن الاقتراحات المرحلية، والاستثمارات الأميركية في المشروعات الطويلة الأمد، وهيكلية الخطوة مقابل خطوة للالتزامات، يمكن أن ترفع بشدّة من ثمن انسحاب واشنطن المحتمل من الاتفاق».

أما صحيفة «وطن أمروز (وطن اليوم)» الأصولية فتطرّقت، في تحليل، إلى الأهداف الإيرانية في المحادثات؛ إذ رأت أن «ما هو مهمّ بشكل جوهري للفريق الإيراني، هو رفع العقوبات الظالمة، إلى جانب صَون الإنجازات النووية للبلاد؛ كما أن مفاوضي الجمهورية الإسلامية أبلغوا الطرف الآخر بجهوزية بلادهم لبناء الثقة في ما يخصّ برنامجها النووي. وبما أن هذا البرنامج سلمي بالمطلق، فإن إيران لا تشعر بقيود في مجال بناء الثقة، طالما أن ذلك لا يمسّ بأمنها القومي». ورأت الصحيفة أن «اتّفاقاً مستداماً لن يحصل من دون الاهتمام بالحقوق المشروعة لإيران. فاحترامها، يشكّل توطئة ضرورية للوصول إلى اتفاق رابح – رابح للطرفين».

محمد خواجوئي – الأخبار

خاص | الاتفاق النووي الإيراني: صراع الإرادات في ظلّ التحوّلات الكبرى

خاص | الاتفاق النووي الإيراني: صراع الإرادات في ظلّ التحوّلات الكبرى

مروة الشامي

تعيدنا دهاليز الاتفاقات دومًا إلى حقيقة أن لا شيء مستحيلًا سياسيًا، وأنّ تحوّلاتٍ كبرى قد تقلب المشهد رأسًا على عقب، وتُعيد رسم توازنات بدت بالأمس محسومة. فبينما انتهت المفاوضات حول النووي الإيراني منذ سنوات بنتائج سلبية، تعود اليوم لتُستأنف بزخمٍ متصاعد، آخذةً منحى مختلفًا على أكثر من صعيد.

عودة أميركا للتفاوض
بعد سنوات من الانسحاب الأحادي الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وتهديد الرئيس ترامب في ولايته الأولى بمهاجمة طهران ما لم تتوصل إلى اتفاق جديد يمنعها من تطوير سلاح نووي، يعود ترامب نفسه إلى التفاوض مع إيران، هذه المرّة عبر مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، ومن قلب روما، حيث يشكّل رئيس وزرائها، جيورجيا ميلوني، المقرّب من ترامب، ورقة دعم محتملة في أية عملية إنقاذ للمفاوضات.

وفيما تسعى الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق خلال 60 يومًا، يرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن مستويات انعدام الثقة، والطبيعة التقنية للمحادثات، تجعل من غير المرجّح التوصل إلى اتفاق بهذه السرعة. ومن النقاط الأساسية في التفاوض اليوم، مسألة الضمانات الخارجية التي تطالب بها إيران في حال انسحبت الولايات المتحدة مجددًا من الاتفاق أو أخلّت به، ما يمنح طهران موقعًا تفاوضيًا أقوى من السابق.

الدور الروسي يتجدّد
على المقلب الآخر، وبعد سنوات من المساعي الغربية لعزل روسيا وتهميش دورها عبر حرب الاستنزاف في أوكرانيا، تعود موسكو لتفرض حضورها السياسي على الساحة الدولية، حيث تظهر كطرفٍ أساسي في أي اتفاق نووي مرتقب. ووفقًا لتقرير نشرته ذا غارديان يوم الأحد، يُروَّج لروسيا ليس فقط كوجهة محتملة لتخزين مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، بل أيضًا كحَكَمٍ محتمل في حال حدوث انتهاكات للاتفاق، في مشهد يعكس تراجع النفوذ الأوروبي وتقدّم موسكو كمُحدّد رئيسي في المفاوضات.

تغيّر في الموقف الخليجي
من جهةٍ أخرى، وبعد أن عارضت السعودية الاتفاق الذي توصّل إليه الرئيس أوباما مع إيران قبل عقد من الزمن ووصفته بأنه “اتفاق ضعيف”، تبدو الرياض هذه المرة أقل اعتراضًا، رغم تشابه مضامين الاتفاقين. وفي تقرير تحليلي نشرته نيويورك تايمز، اعتبرت الصحافية فيفيان نيريم أن تحسّن العلاقات السعودية-الإيرانية، وسعي المملكة إلى التحوّل إلى مركز إقليمي في مجالات الأعمال والتكنولوجيا والسياحة، يدفعها لتجنّب التوترات الإقليمية، ويجعلها أكثر انفتاحًا على التسويات.

وتنقل نيريم عن الباحثة كريستين سميث ديوان قولها: “طريقة تفكيرهم (السعوديين) تغيّرت. في عهد أوباما، كانوا يخشون تقاربًا أميركيًا-إيرانيًا قد يعزلهم. أما في عهد ترامب، فهم يخشون من تصعيد قد يستهدفهم مباشرةً”. وتشير نيريم في تقريرها الى أنّ تعرّض السعوديين لهجومٍ على إحدى منشآتهم النفطية في العام 2019 أعلمتهم بـ”محدودية تحالفهم مع الولايات المتحدة، مما دفعهم الى إجراء محادثات مع إيران بدلًا من استمرار الصراع”.

“إسرائيل” خارج التأثير
وفي خضمّ هذه التحولات، يبدو أن تل أبيب تواجه تراجعًا في قدرتها على التأثير. فقد كشفت جيروزاليم بوست عن اجتماع سرّي ضمّ رئيس الموساد دافيد بارنيا ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، في محاولة “لاعتراضه” وهو في طريقه الى الجولة الثانية من المفاوضات. وأشارت الصحيفة إلى أن “إسرائيل”، التي اعتادت على التأثير في القرار الأميركي بشأن إيران، باتت تواجه واقعًا جديدًا، حيث “رجل الساعة” اليوم ليس في تل أبيب، بل في روما وطهران.

وتُبرز الصحيفة فشل هذه المساعي الإسرائيلية في ضوء التفاؤل الإيراني بنتائج الجولة الثانية، وتحفّظ واشنطن على بعض التفاصيل، وتحديد موعدٍ لجولة ثالثة في الأسبوع المقبل. كما عبّرت الصحيفة عن قلق متزايد في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من إمكانية توقيع اتفاق لا ترى فيه “إسرائيل” ضمانات كافية لوقف “الخطر النووي الإيراني”.

في ضوء هذا المشهد المتحوّل، تبدو المفاوضات النووية أكثر من مجرد نقاش تقني حول تخصيب اليورانيوم، بل صراع إرادات دولية يتقاطع فيه السياسي مع العسكري، وتُعيد عبره قوى كبرى كروسيا وإيران التموضع في قلب معادلات الإقليم والعالم. وبينما تُرسم خرائط التأثير من جديد، تبدو واشنطن مضطرة للتراجع خطوة إلى الخلف لإعادة ترتيب أولوياتها، في وقتٍ يبتعد فيه العدو الصهيوني عن القدرة على التأثير الحاسم في مسار المفاوضات.

بالمعلومات.. هذا ما حققته إيران في جولة المفاوضات النووية الأولى

بالمعلومات.. هذا ما حققته إيران في جولة المفاوضات النووية الأولى

لا يكتفي الإعلام المتصهين بفبركاته المعتادة والممجوجة ولا بسقطاته المعهودة التي تخرجه من دائرة المهنية والمصداقية الى دائرة الكذب والتضليل، بل يبني أمانيه وأضغاث أحلامه ويسقطها على أي حدث أو مستجد محلي إقليمي أو دولي.. آخر تلك المستجدات جولة المفاوضات الإيرانية الأميركية الأولى التي انطلقت يوم السبت الماضي في سلطنة عمان، إذ أكدت المعلومات زيف كل الادعاءات التي ساقها ذاك الإعلام.. وبيّنت أن جولة التفاوض لم تكن مباشرة عكس ما سيق في مزاعمهم، وأنها اقتصرت على تبادل الرسائل بشكل مكتوب بين الوفدين الإيراني والأميركي بوساطة عمانية دون حصول أي لقاء مباشر بين الطرفين اللذين حضرا في قاعتين منفصلتين، رغم كل المساعي الأميركية والاستعجال الترامبي لحصول هكذا لقاء. وفيما أجمعت كل التحليلات والتقييمات على أن انطلاقة المفاوضات في جولتها الأولى كانت إيجابية وبناءة رغم التباينات الإعلامية بشأن الملفات التي طرحت على طاولتها، برزت تساؤلات، ومنها ماذا حققت إيران في هذه الجولة من التفاوض؟.

تشير المعلومات الى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعجل الإعلان عن المفاوضات مع إيران، فكان أول من تحدث عن موعدها في محاولة منه لإحراجها، لكن طهران قلبت السحر على الساحر، وتمكنت من فرض شروطها في هذه المفاوضات سواء من حيث الشكل أو المضمون.

من حيث الشكل
أولاً – استطاعت إيران فرض التفاوض غير مباشر، تماماً كما أرادت منذ البداية. وجرى تبادل الرسائل المكتوبة بين الطرفين عبر الوسيط العماني ولم يجر التباحث بأي ملف وجهًا لوجه، إذ كان الطرفان يجلسان في قاعتين منفصلين، وفي ختام المحادثات وفي أثناء مغادرة الوفدين، تبادلا التحية من بعيد في ممر مقر الاجتماع.

ثانيًا – رضوخ واشنطن للإصرار الإيراني على وساطة سلطنة عمان رغم رغبة الطرف الأميركي بتغيير الوسيط العماني وتفضيله رعاية أطراف أخرى،. وقد أتى إصرار الجانب الإيراني على الرعاية العمانية لربط هذه الجولة بالمفاوضات غير المباشرة التي رعتها سلطنة عمان في مراحل سابقة.

من حيث المضمون
تؤكد المعلومات التي رشحت عن جولة المحادثات النووية الأولى بين الجانبين الاميركي والإيراني أن البحث انحصر في ملفين يفترض أن يستكمل النقاش بشأنهما خلال جولات المفاوضات المقبلة، وهما:

الأول – ملف البرنامج النووي الإيراني بما يتضمنه من إجراءات لطمأنة الغرب إلى عدم نية إيران امتلاك السلاح النووي، من ضمنها مثلاً مسألة نسبة تخصيب اليورانيوم، وآلية الرقابة والتفتيش الدولية للمنشآت النووية الإيرانية وسواها.

الثاني- ملف رفع العقوبات الأميركية الظالمة المفروضة على إيران.

هذه المعلومات تدحض بلا شك كل ما يروج له الإعلام المتصهين من أن المفاوضات الأميركية الإيرانية تشمل إلى جانب البرنامج النووي الإيراني ملف نفوذ إيران في المنطقة وبرنامج الصواريخ الباليستية، والدليل أنه لا يوجد أي تصريح رسمي أميركي يتحدث عكس ذلك، بل إن ترامب نفسه وفي تصريحه خلال استقباله رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو تحدث بشكل واضح وحصرًا عن الحرص على عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًا، وهذا ما أزعج نتنياهو باعتبار أن ترامب لم يتطرق إلى شمول المحادثات النووية لدور إيران ونفوذها في المنطقة أو برامجها للصواريخ الباليستية والتي كان يرغب نتنياهو بفرضها على جدول أعمال المفاوضات.

وهنا تطرح التساؤلات وعلامات الاستفهام، إذا كان نتنياهو يئن ويتألم من وطأة المفاوضات الأميركية الإيرانية كونها تجري بما لا تشتهي سفنه، فلماذا نسمع صدى أنينه في بعض الإعلام العربي الذي يظهر كأنه يتوجع عنه، فيردد يوميًا أمانيه ويضع جداول أعماله الخاصة بالمفاوضات ويضمنها مطالب “إسرائيلية” عجز نتنياهو عن تحقيقها في حروبه المتواصلة في المنطقة منذ 18 شهرًا كالنيل من سلاح المقاومة وبرامج إيران الصاروخية ونفوذها في المنطقة ككل.

مهما يكن من أمر، فإن قطار المفاوضات الذي انطلق بإيجابية – وإن يكن من المبكر الحكم على نتائجه النهائية – أثبت ندية إيران ونجاحها بثبيت قواعد التفاوض التي لطالما نادت بها، والتي تحفظ لها حق استخدام الطاقة النووية السلمية دون أن تمس سيادتها ومبادئها الثورية.

هذا، ومن المتوقع أن تستكمل المفاوضات نهار السبت المقبل في جولتها الثانية في السفارة العمانية في العاصمة الإيطالية روما، وذلك بعدما طلب الجانب الأميركي تغيير المكان معتبرًا أن سلطنة عمان جارة إيران، وأن الجانب الإيراني لا يتحمل مشقة السفر التي يتحملها الوفد الأميركي للوصول إلى السلطنة، وهو ما رآه الوفد الإيراني طلبًا منطقيًا ويأتي في إطار الحرص على التوازن في المفاوضات، وعلى هذا الأساس تم الاتفاق على أن تنتقل المفاوضات لتحصل في سفارة سلطنة عمان أو منزل سفيرها في روما.

علي عوباني – العهد