المقدمة
تشهد العاصمة الإيرانية طهران، التي يقطنها أكثر من 15 مليون نسمة، أزمة مائية متفاقمة تُعد من بين الأشد على مستوى العالم. تتجلى هذه الأزمة في انخفاض حاد في معدلات هطول الأمطار، واستنزاف غير مسبوق للمياه الجوفية، إلى جانب ضعف في إدارة الموارد المائية. حاليًا، تعمل السدود الكبرى التي تغذي المدينة بنسبة لا تتجاوز 15% من طاقتها التخزينية، مما يضع طهران أمام تحديات وجودية وبيئية واجتماعية عميقة.
أولًا: السياق التاريخي للأزمة
بدأت ملامح أزمة المياه في إيران بالتصاعد منذ بداية القرن الحادي والعشرين، حيث شهدت الفترة بين عامي 2002 و2015 تضاعف عدد نقاط استخراج المياه الجوفية من 546 ألف إلى أكثر من مليون بئر. وقد أدى ذلك إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 10 إلى 100 سنتيمتر سنويًا، بمتوسط عام يبلغ 49 سم.
وخلال الفترة نفسها، فقدت البلاد ما يُقدّر بنحو 74 كيلومترًا مكعبًا من مخزون المياه الجوفية، إضافة إلى ما مجموعه حوالي 211 ± 34 كيلومترًا مكعبًا من إجمالي التخزين المائي الطبيعي خلال العقدين الماضيين.
ثانيًا: أسباب الأزمة المائية
- الجفاف وقلة الأمطار
سجل موسم الأمطار 2024–2025 أدنى نسبة هطول منذ ستة عقود، حيث بلغ الانخفاض عن المعدل الطبيعي ما بين 35% إلى 45%. وقد أدّى ذلك إلى اعتبار حالة الجفاف “ممتدة” للعام الخامس على التوالي، ما فاقم عجز الموارد السطحية. - الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية
تشير التقديرات إلى أن نحو 60% من المياه المستهلكة في إيران تذهب للشرب، بينما تُستخدم 90% في الزراعة، مع تدهور كبير في كفاءة الشبكات. كما تنتشر أكثر من 320 ألف بئر غير قانونية تُستنزف منها المياه دون أي رقابة فعالة، وتُقدّر وزارة الطاقة أن العجز السنوي في الموارد يصل إلى 5 مليارات متر مكعب، فيما انخفضت الاحتياطيات بنسبة تصل إلى 70% خلال 50 عامًا. - الإدارة السيئة والسياسات المركزية
شهدت إيران منذ عام 2018 احتجاجات واسعة في المحافظات الزراعية، وجّهت أصابع الاتهام إلى السياسات المركزية التي عمدت إلى تحويل المياه من الأقاليم الريفية إلى المدن الكبرى، مع غياب واضح للكفاءة في تنفيذ مشاريع مائية عادلة وشاملة.
ثالثًا: الوضع الراهن في طهران (2025)
- مستويات التخزين في السدود
تعتمد طهران على خمسة سدود رئيسية هي: لتيان، ماملو، لار، طالقان، وأمير كبير (كرج). وقد انخفضت نسب التخزين فيها إلى مستويات حرجة:
•سد لتيان وماملو: نحو 12% فقط من الطاقة القصوى.
•سد لار: أقل من 1%.
•سد أمير كبير (كرج): حوالي 7%.
وتُقدّر حاجة العاصمة السنوية من المياه بنحو 1.4 مليار متر مكعب، في حين أن المتوفر منها لم يعد يكفي سوى لتغطية جزء بسيط من هذا الطلب. - هبوط الأرض والتآكل الحضري
تشهد بعض المناطق جنوب غرب طهران معدلات هبوط أرضي تصل إلى 31 سم سنويًا، الأمر الذي يُهدد البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك السكك الحديدية، شبكات الكهرباء، الطرق السريعة، وحتى المواقع الأثرية مثل برسبوليس ومسجد العباسي. - إجراءات الدولة
في تموز 2025، أعلنت الحكومة الإيرانية عطلة رسمية طارئة في طهران لتقليل الاستهلاك الطاقي والمائي، ودعت السكان إلى تخفيض استهلاك المياه بنسبة 20%. كما صرّح الرئيس مسعود بزشكيان بأن طهران قد تصبح غير صالحة للسكن خلال سنوات، واقترح نقل العاصمة إلى مناطق أقل ضغطًا مائيًا كخيار استراتيجي.
رابعًا: الأبعاد المترتبة على الأزمة
- البُعد الاجتماعي والاقتصادي
تعاني المناطق الريفية من نزوح قسري باتجاه المدن، ما يزيد من الضغط الحضري. كما أدى شح المياه إلى انهيار الأمن الغذائي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلى جانب ظهور مفهوم “فقر المياه” كدافع رئيسي للاحتجاجات الاجتماعية. - البُعد البيئي والصحي
تسبب ارتفاع ملوحة المياه وتدهور جودة مصادر الشرب في مشكلات صحية مباشرة، خاصة في المناطق الفقيرة جنوب العاصمة، حيث تسود أمراض معوية ومشاكل جلدية مرتبطة بالتلوث. - تهديد البنية التحتية والمواقع التراثية
أدت ظاهرة الهبوط الأرضي إلى تصدّع منشآت النقل والكهرباء، فضلًا عن تضرر مواقع أثرية مدرجة على قائمة التراث العالمي، مثل مدينة أصفهان التاريخية، ما يهدد بانهيارات مستمرة مستقبلًا.
خامسًا: الاستجابة الحكومية والمشاريع الحالية
- مشاريع قصيرة ومتوسطة الأمد
تشمل بعض المبادرات نقل المياه من طالقان وشمال إيران، وكذلك دراسة استيراد المياه من سلطنة عمان، إلا أن هذه المشاريع لا تسد سوى 10% من العجز، كما تفتقر لرؤية مستدامة لإدارة الطلب. - مشاريع تحلية المياه
تجري دراسات لتحلية مياه الخليج العربي، لكن العقبات التقنية والمالية تحول دون تنفيذها الفعلي، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على إيران. - الخطط طويلة الأمد
تسعى الحكومة إلى تقليص استهلاك المياه في الزراعة والصناعة بمقدار 45 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2032، إلا أن تحقيق هذا الهدف يواجه تحديات اقتصادية ولوجستية كبيرة.
سادسًا: التوصيات والاستراتيجيات المقترحة
- تحسين كفاءة إدارة المياه: من خلال إصلاح شبكات التوزيع وتقليل التسربات، التي تُقدّر حاليًا بنحو 30% من المياه المنتجة.
- وقف حفر الآبار غير القانونية: وإنشاء نظام ترخيص شفاف يحد من الاستنزاف العشوائي.
- الاعتماد على مصادر مياه غير تقليدية: مثل التحلية والاستيراد، مع تقييم الأثر البيئي لكل مشروع.
- إصلاح الحوكمة: عبر سحب صلاحيات إدارة الموارد من المؤسسات العسكرية، وتفعيل رقابة مدنية علمية مستقلة.
- إعادة تخطيط النمو الحضري: بتشجيع التنمية في مدن بديلة وتخفيف الضغط السكاني عن طهران.
- حماية المواقع التراثية: بالتعاون مع المنظمات الدولية لتثبيت البنية المعمارية والتراثية في مناطق التصدع.
الخاتمة
تواجه طهران تحديًا مائيًا مصيريًا لا يمكن تجاوزه دون إصلاحات جذرية تتضمن كفاءة الإدارة، العدالة في التوزيع، والالتزام بالتنمية المستدامة. إن استمرار الوضع الحالي من دون تدخل فعّال سيؤدي إلى تداعيات لا تُحمد عقباها على الصعيدين الإنساني والسيادي للبلاد.