25 حزيران 2025
الطلقة الأخيرة

ريحانة مرتضى

بسط للقوة، رسم جديد لخارطة المنطقة، وإعادة هيكلة قواعد الصراع مع العدوّ الأميركي– الإسرائيلي، هذه كانت نتائج انتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على العدوان الصهيو – أميركي.

“شعب كالأسد” بهذا العنوان بدأ العدوّ الصهيوني عدوانه الغاشم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والواقع هو محاولة بائسة لإيجاد الاتحاد والوحدة بين المستوطنين للالتفاف حول قرارات حكومتهم التي جرتهم منذ تشرن الأول للعام ألفين وثلاثة عشرين نحو حروب متتالية لا مفر منها.

تحولت عملية طوفان الأقصى إلى معركة وجود بالنسبة للعدو الصهيوني تجرأ من بعدها على شن حروب خارج نطاق الأراضي المحتلة. فما السبب؟

هي قاعدة عامة تلجأ إليها حكومة الاحتلال للفرار من فشل داخلي، ومحاولة لرص الصفوف وجمعها حول قرار الحرب، أي عندما تواجه حكومة العدوّ خطرًا يهدّدها بالداخل تلجأ لحرب خارجية لتعيد اتحاد شعبها وهذا ما حصل، فبعد الفشل في غزّة ثمّ رفح لم يكن هناك خيار أمام العدوّ الذي يعيش الهزيمة بعد عدم تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، سوى خطوة أخرى يلملم بها ماء وجهه فكانت الحرب على لبنان التي رغم قساوتها على بيئة حزب الله بشكل عام والحزب بشكل خاص مع ما قدمته من تضحيات فقد استخدم العدوّ جميع أوراقه غير الأخلاقية في محاولة لتدمير حزب الله والقضاء عليه، وكانت المفارقة بالصمود الأسطوري لبيئة وشعب المقاومة واستمرارها بقصف العدوّ لمدة ستة وستين يومًا ما أجبر العدوّ على طلب وقف إطلاق النار.

أما العدوان على إيران فقد جاء في ظل ظروف دبلوماسية سعت إيران من خلالها لإبراز توجهاتها بعيدًا عن الحرب، حيث كانت المفاوضات الإيرانية الأميركية حول الملف النووي رغم اختلاف الطرفين تجري بشكل يتسم بالمرونة، ولكن لم يرض الغرور الصهيوني قيام ترامب بهذه الخطوة بعيدًا عن المباركة الصهيونية فكان لا بد من اتّخاذ القرار.

والصحيح أن نتنياهو لم يقم بأي من أعماله الإجرامية دون موافقة أميركية، وبطبيعة الحال أخذ الموافقة من ترامب، بعد أن هدّد الأخير بالحرب على إيران ما لم ترضخ لشروطه في المفاوضات، وهذا الأمر ما لم يقبله العقل الفارسي.

وبهذا شهدنا اثني عشر يومًا من أيام الله في حرب لا مثيل لها حيث قامت دولة مسلمة بدك الأراضي المحتلة بصواريخ متنوعة وحولت أمنهم المزعوم إلى كابوس مرعب. هذا مع ما شهدناه في الفترة الماضية من محاولات لأنظمة عربية لاتباع طريق التطبيع المخزي.

في قراءة تفصيلية، نجد أن العدوّ الصهيوني استهان بالقدرات الصاروخية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد يكون قرأ نوع الرد في عمليتي الوعد الصادق واحد واثنين وطريقته بشكل خاطئ ما دفعه للقيام بهذه الحركة الانتحارية. كما علق الآمال في خطته أولًا على إرباك الجمهورية من خلال استهداف القيادات العسكرية في الصف الأول، ثمّ تحريك الخلايا النائمة الداعمة للعدو داخليًّا لتحرك بدورها الشعب وبالتالي إسقاط النظام. ولكن قيادة العدوّ وحتّى الأميركي لم يفهموا العقل الإيراني والتركيبة الإيرانية ولهم الحق فكيف لدولة مستحدثة لم تبلغ الثمانين من العمر وأخرى مغتصبة قامت على رفات شعب ذي أرض وسيادة، أن تفهم معنى القومية الوطنية وروح الانتماء، وأن تدرك أهمية التاريخ العريق الذي تمتلكه الإمبراطورية الفارسية.

وعليه انهارت أوهام العدوّ عندما وقف الشعب الإيراني بكلّ أطيافه ومكوناته صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص مع دولته وأيدوا قرار قيادتهم وثبتوا في مواجهة العدوان، مقابل انقسام في الداخل الصهيوني بين مؤيد ومعارض للحرب على إيران وكانت النسبة الرافضة تفوق المؤيدة. ومن صور الثبات التي صدرها الشعب الإيراني للعالم أجمع أولًا استكمال الحياة بشكل طبيعي، والدليل المسيرات التي خرج بها الشعب لتأيد الدولة في ما يعبّرون عنه ” بتلقين العدوّ الدرس”، كما خرجت أعداد غفيرة في مسيرة يوم عيد الغدير وهو احتفال سنوي يقام في المحافظات الإيرانية يمتد لعدة كيلومترات. في الجهة الأخرى لدينا مستوطن لا يملك ذرة من الوطنية حمل حقائبه وركض نحو البحر للهروب من جحيم الصواريخ الإيرانية. وهنا تكمن الحكمة: شعب اختار الوطن وعلى استعداد للتضحية رغم الاختلافات وآخر تخلّى عن الوطن بما فيه للنجاة. ثانيًا الموقف المشرف لمذيعة قناة خبر الإيرانية السيدة سحر إمامي حيث بث روح الثبات والمقاومة لدى الشعب، ثالثًا وقوف الفئة المعارضة بشكل قوي وبارز إلى جانب الحكومة والدولة مما أفشل مخطّطات العدو.

أما في العسكر، فكانت الإستراتيجية الإيرانية تعمل على استهداف المقرات العسكرية والمنشآت الاقتصادية والعلمية داخل الكيان، بحيث نوعت بين الكم والنوع في استخدام الصواريخ والمسيرات، كما عملت على إنهاك الدفاعات الجوية للعدو من خلال إرسال مسيرات انقضاضية أتبعتها برشقات صاروخية متنوعة، وبعد أيام من تبادل الضربات كان الطلب “الإسرائيلي” بدخول أميركا الحرب إسنادًا له، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على انتهاء بنك الأهداف لديه في إيران، كما يشير إلى أنه لم يحقق أهدافه من العدوان على الجمهورية وأراد من خلال هذه الحركة تدارك الموقف. نذكر هنا أن البيانات الصادرة عن القيادات العسكرية وحتّى السياسية في إيران تدل بكلّ ثقة على قدرتها على استكمال الحرب وجهوزيتها التامة لسنوات من القتال، وهذا ما لا يقدر عليه الكيان أي الدخول في حرب استنزاف فكانت المشاركة الأميركية لإنقاذ الموقف الصهيوني ومحاولة لإنهاء الحرب بطريقة استعراضية كما وصفها العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين حيث أشار البعض منهم إلى أن دخول أميركا الحرب كان فقط لحفظ ماء وجهها وإلا هي ليست في هذا الوارد، فضربة منشأة فوردو النووية سبقه تهويل إعلامي حول القاعدة ليكون تأثير الضربة ووقعها على الرأي العام في أميركا و”إسرائيل” كبير، في المقلب الأخر الصور والفيديوهات التي نشرت للمنشأة بعد الضربة تؤكد على عدم تضررها بالكامل وهذا ما أكدته القيادة الإيرانية، أي فشل الهدف من الاستهداف الذي أعلنه الرئيس ترامب وهو تدمير قدرات إيران على التخصيب.

ثم جاء إعلان وقف إطلاق النار، بعد نداءات ترامب الاستغاثية حيث وجه رسائل إلى حكام الدول العربية للتوسط لدى إيران لإنهاء الحرب، بعد استهداف إيران لقواعد أميركية في قطر حيث أطلق على العملية اسم “بشائر الفتح”، ليكون الفتح بانتصار الجمهورية الإسلامية على الكيان الغاصب وكلّ داعميه، وذلك بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي كانت فيه الجمهورية الإسلامية من أطلق الطلقة الأخيرة تجاه بئر السبع في الداخل المحتل.

في الأهداف المعلنة للعدوان على إيران، تدمير القدرة الصاروخية الإيرانية، إيقاف العمل في المجال النووي وإسقاط النظام، فهل نجح العدوّ الصهيوني في تحقيق أهدافه؟ طبعًا لم يستطع حتّى الوصول إلى مشارف هدف من الأهداف المعلنة، فالقدرة الصاروخية لإيران لا يعلم بها إلا الله ومن يعمل بهذا المجال، أما الملف النووي فهو وإن تضرر بسبب بعض الضربات فبحسب الإعلام العبري لم يُرجع إيران إلا أشهرًا للوراء، فلا إنجاز يذكر. أما الهدف الثالث الذي عملت أميركا بشكل خاص عليه منذ انتصار الثورة الإسلامية من خلال حرب مفروضة على إيران نفذتها أميركا وكلّ الغرب الداعم لها آنذاك بأداة صدام حسين والبعث العراقي، كما جندت منافقي خلق ودعمتهم بالمال لتنفيذ هذا الهدف وعندما أيقنت أن الحرب المباشرة لن تجدي نفعًا اتجهت نحو الحرب الناعمة والعمل على فئة الشباب وبالأخص الفتيات لزعزعة ثقتهم بالدولة، كما زرعت خلايا داخل المجتمع الإيراني، وكان العدوّ الصهيوني يعول على هاتين الفئتين في عدوانه حيث انقلب السحر على الساحر، وصدم العدوّ بوقوف الشعب الإيراني وبالأخص المعارض إلى جانب حكومته ودولته وتحت راية قائده في مواجهة العدوان. وعليه لم يحقق العدوّ أيًّا من أهدافه وهذا الفشل أجبره على طلب وقف إطلاق النار.

في المكاسب والأرباح، كسب رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو داخليًّا سخط المستوطنين وحقدهم عليه، كما حفز لديهم شعور الهروب إلى مكان أكثر أمنًا. أما خارجيًّا فالشارع العام العالمي أصبح مدركًا لمدى إجرام الكيان ويعلم أهمية التخلص منه. اما على الصعيد الإيراني فحققت إيران مكابس عدة، داخليا، جاءت هذه الحرب لتكون فرصة مناسبة لتنظيف الداخل الإيراني من كلّ أذرع الغرب وخلاياه النائمة، كما أعطت النظام الثقة التامة من كلّ مكونات الشعب. إقليميًّا، كرست إيران نفسها لاعبًا ومؤثرًا إقليميًّا لا يمكن تخطيه، كما أعطت مصداقية لشعاراتها الثورية الداعمة للمستضعفين والمنادية بالموت لأميركا و”إسرائيل”. أما خارجيًّا، فقد اكستبت تعاطفًا عالميًّا من الشعوب التي تجد أن “إسرائيل” ترتكب المجارز والإبادة في غزّة، كما شكلت دفعًا معنويًّا لقوى “محور المقاومة” بعد الضربات التي تعرضت لها.

وفي الختام نقول إن وقف إطلاق النار ساري المفعول ولكن هذا لا يعني أن الحرب بين الحق والباطل قد انتهت بل الآن هو الوقت المناسب لإعادة بناء القوّة والتحضير لمواجهات أعنف، قد تكون في الدخل، فقد يلجأ العدوّ إلى عمليات الاغتيال والتفجيرات، وعليه لا بد من اليقظة والحذر من غدر العدوّ وكيده.