3 أيار 2025
المفاوضات الإيرانية الأميركية: هل تبصر نتائجها النور؟

ريحانة مرتضى – خاص أخبار إيران

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، شهدت العلاقات الإيرانية الأميركية مفاوضات غير مباشرة بوساطة عُمان، الدولة التي لتسعى تعزيز مكانتها كجسر دبلوماسي بين الشرق والغرب. حيث أقيمت المباحثات على جولات ثلاث وعلقت الرابعة لأسباب لوجستية. هذا وتكتسب هذه المحادثات أهمية كبيرة، خاصة في إطار تقدم المفاوضات النووية ورفع الحظر الجائر عن إيران، ويمكن عدها خطوة أساسية في العملية الدبلوماسية الإيرانية. يذكر أنه على هامش هذا الحدث أقيمت مشاورات سياسية ودبلوماسية مكثفة بين مسؤولي الجمهورية الإسلامية والأطراف الإقليمية والعالمية.

تأتي هذه المفاوضات بعد سنوات من الجمود السياسي، خاصةً بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي عام 2018. وأكدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائمًا على أهمية الدبلوماسية متعددة الأطراف والتعاون مع الجهات الفاعلة الدولية الأخرى، وتأمل أن تتمكن من خلال ذلك من تحقيق النتائج المرجوة في رفع الحظر غير القانوني وإرساء الاستقرار في المنطقة وتؤكد على حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، كما طالبت برفع جميع العقوبات كشرط أولي لأي اتفاق، كما تصر على حقها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% لأغراض سلمية، بينما تسعى واشنطن لضمان عدم تحوُّل البرنامج النووي الإيراني إلى عسكري.

وفي الحديث عن شكل المفاوضات ومحتواها بين إيران وأميركا، اختارت الجمهورية الإسلامية الإيرانية المباحثات غير المباشرة، وذلك حرصًا منها على حقها في إثبات قوتها كلاعب قوي ومؤثر، فتاريخ العلاقات بين البلدين مليء بانتهاك الولايات المتحدة للاتفاقيات، فلا ثقة تدعم خيار المفاوضات المباشرة، وعليه هي فرصة استغلتها الجمهورية الإسلامية لاختبار مدى صدق الولايات المتحدة.

ومع العنوان العريض للولايات المتحدة بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، فهي بالمقابل تظهر مرونة في التفاوض تحت ضغط العقوبات، وهذا ما انتقده مجلس العلاقات الخارجية الأميركي معتبرًا أن في نهج واشنطن “تنازلًا استباقيًا” لإيران.

أقيمت المفاوضات غير المباشرة بين الدولتين بوساطة سلطنة عمان، على جولات ثلاث، نظمت الجولة الأولى بمشاركة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وذلك عبر وساطة وزير الخارجية العُماني بدر لبوسعيدي بتاريخ 12 نيسان/نيسان 2025 في العاصمة العُمانية مسقط. استمرت المفاوضات ساعتين ونصفًا، من خلال تبادل الرسائل بين الطرفين عبر الوسيط العُماني. ناقش الطرفان فيها رفع العقوبات الأميركية والملف النووي الإيراني، وقد وصفت الجولة الأولى “بالإيجابية والبناءة” واتفق على عقد الجولة الثانية في روما.

أما الجولة الثانية التي عقدت بتاريخ 19 نيسان/نيسان 2025 في العاصمة الإيطالية روما، بحضور ثلاثي كما في الجولة الأولى، فقد تميزت بتعميق النقاش الفني، واستمرت المحادثات بنفس النهج غير المباشر، مع تبادل الرسائل عبر الوسيط العُماني، حيث تم التركيز على الجوانب الفنية لرفع العقوبات والملف النووي. هذا وشدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على أن إيران ترفض التفاوض على أي قضايا خارج الملف النووي (مثل البرنامج الصاروخي أو الدعم الإقليمي). كما أشار إلى وجود “تقدّم” لكنه نوّه لوجود خلافات جوهرية، خاصة حول مستوى تخصيب اليورانيوم (60% حالياً). وعليه تم الاتفاق بين الجانبين على عقد جولة أخرى في مسقط بتاريخ 26 نيسان.

الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة أقيمت بتاريخ 26 نيسان/نيسان 2025 في العاصمة العُمانية مسقط، وحملت الطابع نفسه للجولتين السابقتين مع حضور خبراء فنيين، واتسمت بنقاشات مكثفة وخلافات مستمرة، حيث استمرت المباحثات نحو 9 ساعات، ووصفت بأنها “الأكثر جدية”. وتبادل الطرفان وثائق مكتوبة حول آلية رفع العقوبات وضوابط التخصيب النووي. يذكر أن وزير الخارجية الإيرانية عراقجي أشار إلى أن الخلافات لا تزال قائمة، خاصة حول حق إيران في تخصيب اليورانيوم، كما وصفه بـ”غير القابل للتفاوض”، مشيرًا إلى أن العقوبات الأميركية “إرهاب اقتصادي”. إلى ذلك اتفق الطرفان على عقد الجولة الرابعة في روما بتاريخ 3 أيار/أيار 2025.

الجولة الرابعة التي كان من المقرر أن تقام في 3 أيار/أيار 2025 في روما، أرجئت “لأسباب لوجستية” بناء على اقتراح عُماني، حيث أعلن البوسعيدي، في منشور على منصة “أكس”، عن “إعادة جدولة الاجتماع الأميركي – الإيراني، الذي كان مقرّرًا السبت، لأسباب لوجستية” وذلك إلى “موعد يتم الاتفاق عليه بين الطرفين”. إلى ذلك جدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، “التزام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالاستفادة من الدبلوماسية كوسيلة لتحقيق المصالح المشروعة والقانونية للشعب الإيراني، وإنهاء العقوبات والضغوط الاقتصادية التي تستهدف الحقوق الإنسانية ورفاهية كل فرد من أفراد الشعب الإيراني”. وأوضح أنّ “الوفد الإيراني، ومنذ بدء مشاركته في المفاوضات، حدّد إطارًا واضحًا يستند إلى المبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية ووفقًا للقانون الدولي، بما يخصّ الاستخدام السلمي للطاقة النووية وإنهاء العقوبات غير القانونية، وقد أظهر جديته في إجراء مفاوضات قائمة على النتائج، بهدف التوصّل إلى تفاهم عادل، معقول، ومستدام، وسيواصل هذا النهج بثبات وقوة”.

وقد أرجع المراقبون لتطور ملف المفاوضات بين الجانبين الإيراني والأميركي توقف مسار الجولات التفاوضية لعدة أسباب منها الضغوط الداخلية الأميركية، والتي تنتقد التنازلات الاستباقية لواشنطن، كما يتحدث المتابعون عن وجود تصعيد إقليمي متمثل بانفجار ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس، والذي قد يؤثر على أجواء المفاوضات، حيث سعى رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو لاستغلال الحادث وتوجيه الرأي العام داخل الكيان إلى أن انفجار الميناء من فعله.

تزامنت هذه التطورات مع قيام الإدارة الأميركية بفرض حزمة جديدة من العقوبات على أفراد وكيانات داخل الجمهورية الإسلامية وخارجها بذريعة التعاون الاقتصادي والتجاري مع طهران.

إلى ذلك اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيراني بقائي، أنّ هذه العقوبات تعكس الطبيعة العدائية وغير القانونية للسياسات الأميركية تجاه الشعب الإيراني، مشددًا على أنّها تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان. كما أشار إلى أنّ ما وصفه بـ”الإرهاب الاقتصادي” الأمريكي يهدف إلى تقويض العلاقات القانونية بين الدول النامية، وزعزعة استقرارها.

ووصف بقائي هذه الإجراءات بأنها امتداد لسياسة “الضغوط القصوى” التي فشلت في تحقيق أهدافها، وأنها دليل إضافي على غياب حسن النوايا لدى صنّاع القرار في واشنطن، وتجاهلهم لأي مسار دبلوماسي جاد. وأكد أنّ الولايات المتحدة ستتحمل المسؤولية الكاملة عن التداعيات الخطيرة لسلوكها التصعيدي.

كما شدّد بقائي على أنّ الشعب الإيراني لم ينسَ التاريخ الطويل للعداء الأميركي، لا سيّما في مجال العقوبات التي أعاقت التنمية والتقدم العلمي والاقتصادي في البلاد، مؤكّدًا عزم الإيرانيين على مواصلة طريق العزّة والازدهار، في مواجهة محاولات الترهيب والضغط.

وفي قراءة للتوقعات المستقبلية وبناء على ما تقدم، تعد حزمة العقوبات الجديدة على إيران في ظل إرجاء المحادثات المتفق عليها، خطوة تشويشية لمسار الجولات السابقة من المفاوضات، كما تحمل معها إصرار الأميركي على انتهاج سلوك عدائي بعيدًا عن الدبلوماسية السياسية، والتاريخ حافل بمواقف مشابهة للولايات المتحدة التي كانت سباقة بالخروج من الاتفاقات الدولية. يشار إلى أن نجاح المفاوضات بين الطرفين يعتمد على اتفاق مرحلي بينهما حول مستوى التخصيب النووي وآلية رفع العقوبات، وهنا أظهرت أميركا حسن نيتها وصدق أعمالها بالحزمة الجديدة من العقوبات فهل تسعى لخلق توترات إقليمية جديدة؟