
مؤشرات من جلسة التفاوض في عُمان: الضمانات تحمي أيّ اتفاق جديد
لماذا وصف المفاوضون الإيرانيون والأمريكيون جلستهم في عُمان بالبنّاءة والإيجابية؟ وهل أثمرت الجولة الأولى فعلًا عن بوادر حلحلة باتجاه التفاهم على اتفاق يُرضي الطرفيْن؟
يُجمع المراقبون على حُسن سيْر تفاوض عُمان غير المباشر بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة. مردّ ذلك هو تراجع اللاعب الأمريكي عن لغة التصعيد خلافًا لكلّ أسابيع التهديد والوعيد التي آذارها تجاه طهران.
بحسب اطلاع المتخصّص بالشؤون الإيرانية الدكتور حكم أمهز على مجريات ما حدث في الغرفتيْن المنفصلتيْن في سلطنة عُمان، والتي جلس فيهما المفاوضان الإيراني والأمريكي مع الوسيط الخليجي، يبدو أن الأمور سلكت طريق التهدئة حتى الآن. لكنّ الجولات المقبلة، والتي قد لا تكون قصيرة، يمكن أن تحمل مفاجآت أكبر إمّا لجهة التوصّل الى اتفاق فعليّ بضمانات محدّدة، وإمّا لجهة انسداد الأفق بسبب تفاصيل كثيرة تقنية.
يقول أمهز لموقع “العهد” الإخباري إن إيران استطاعت فرض شروطها، في اجتماع السبت، وذهبت الى لقاءات غير مباشرة بخلاف ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما أنها تمكّنت من حصر النقاش في نقطة البرنامج النووي خلافًا للخطاب الأمريكي الذي روّج لاحتمال توسّع المواضيع. وهنا؛ بُحث في الإطار العام للمرحلة المقبلة للمفاوضات السبت القادم، وجدول أعمالها الذي سيكون تخصّصيًا وتقنيًا بشكل كبير، أي إنّ الجانبين سيتداولان: في كميات تخصيب اليورانيوم، أجهزة الطرد المركزي، المياه الثقيلة، شفافية البرنامج النووي الإيراني وكيفية المراقبة.
تمهيد لـ3 أسابيع في عُمان
وفقًا لمعلومات محدّثنا، ما سهّل الخروج بهذه النتيجة وتحديد موعد ثانٍ للمفاوضات هو التحضير الجيّد الذي سبق مفاوضات عُمان يوم 12 نيسان؛ فقد جرت مفاوضات مُكثّفة وغير مباشرة في أحد القصور العُمانية لثلاثة أسابيع متتالية بين وفود طهران وواشنطن على مستوى نواب وزراء الخارجية، فشكّلت أرضية تمهيدية للآتي من اللقاءات وحدّدت عناوين الجلسة التي كانت مُنتظرة يوم السبت.
انتزاع الضمانات يحمي الاتفاق
السؤال المطروح، اليوم، بعد إتمام الجولة الأولى من المفاوضات هو: ما الذي يمنع تكرار الانقلاب الأمريكي على الاتفاق الجديد اذا تمّ التفاهم عليه؟ هنا يرى أمهز أن إيران تسعى لانتزاع ضمانات من الجانب الأمريكي كي لا يتجدّد السيناريو المتفجّر والانسحاب الأمريكي، وهذا قد يُترجم وفقًا للآتي:
- تأكيد مصادقة الكونغرس الأمريكي (الشيوخ والنواب) على الاتفاق إذا توصّل الأطراف، فيصبح معاهدة لا يستطيع ترامب الخروج منها.
- السماح باستثمارات أمريكية كبيرة في إيران (في مجالي الغاز والنفط)، ما يدفع اللوبي الاقتصادي الأمريكي إلى إبداء حرص دائم على الأموال الأمريكية في إيران، ما يمنع انسحاب الدولة من الاتفاق. هذا الطرح ما يزال أوليًا ولم يُحسم؛ ويحتاج الى نقاش وموافقة من الجانب الإيراني.
- إبقاء كميات اليورانيوم المخصّبة بنسبٍ عالية وأجهزة الطرد في إيران – نُقلت بموجب الاتفاق السابق إلى روسيا- وداخل مخزن تحت إشراف الوكالة الذرية للطاقة والجانب الإيراني، مع تضمين الاتفاق الجديد حقّ طهران بإعادة فتح المخازن من دون إذن الوكالة الدولية لتستفيد منها في حال لم يلتزم الطرف الآخر.
- إعادة فتح السفارة الأمريكية في إيران. هذا الموضوع ليس مُستحيلًا لكن القرار فيه يعود للحكومة الإيرانية، وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ الإمام الخميني (قده) سُئل في إحدى المرات عن إمكان فتح سفارة أمريكية مجدّدًا في الجمهورية الإسلامية فكانت إجابته :”لا عداء إلّا مع “إسرائيل”. وبالمحصّلة دور هذه السفارة يجب أن يكون محصورًا بربط العلاقات بين البلدين وعدم التدخل بشؤون إيران. وهذه النقطة ما يزال من المبكّر الحديث عن احتمال حصولها على أرض الواقع.
- طمأنة الأمريكيين لناحية الهواجس المتعلقة بتصنيع إيران أسلحة نووية، وأن هذا ليس في قاموسها، عبر تعزيز الشفافية بزيادة عدد الكاميرات بالمنشآت ورفع عدد زيارات المراقبين الدوليين.
الوتيرة لن تكون سريعة جدًا
بالنسبة إلى محدّثنا هو يرى أن الخطوات يجب أن تكون مُتبادلة من أجل إنجاح الاتفاق إنْ حصل فعلًا، وكي يصل الطرفان إليه الأمر يحتاج الى وقت وليس بهذه السرعة. الجلسة المقبلة لن تكون سياسية؛ بل ستُعقد على مستوى خبراء، وستشهد نقاشات في التفاصيل، والشيطان يكمن فيها، ومنها “إسرائيل” والأطراف المتضررة من الوصول إلى اتفاق نووي.
مؤشرات حول جدية أميركا
يميل أمهز الى تغليب الإيجابية لناحية إمكان حصول الاتفاق بين الطرفيْن. إذ يبدو أن الأمريكي تحديدًا اتخذ قرارًا بالذهاب في طريق التفاوض حتى النهاية، ويُرجع ذلك الى أكثر من مؤشر توقّف عنده في رسالة ترامب إلى آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي. الأوّل: ما ورد في عبارته “الولايات المتحدة تحت قيادتي مستعدة لاتخاذ خطوة كبيرة من أجل السلام والتسوية في المنطقة مع إيران”؛ وهذا يعني استعداده لتقديم تنازلات أمام إيران. والثاني عبارة أخرى واردة في ختام الرسالة: “السلام يصنعه الأقوياء وليس الضعفاء”، وهذا دليل على تعاطي ترامب مع إيران من منطلق قوّتها. والثالث تحجيم دور رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في هذه المحادثات، وهو ما ظهر جليًا في المؤتمر الصحافي الأخير الذي جمعه به في البيت الأبيض إلى حدّ تحييده عن المفاوضات.
الخطوط الحمراء
أمّا الخطوط الحمراء التي قد تفجّر المفاوضات، في جولاتها المقبلة، إن على مستوى وزراء خارجية أو على مستوى خبراء من البلديْن، فيمكن اختصارها برأي محدّثنا، بإثارة موضوع تجميد البرنامج النووي الإيراني أو التطرق إلى الصواريخ الباليستية أو القدرات العسكرية أو علاقات إيران، وأيّ بحث في ذلك قد ينسف كلّ الجهود التي بذلت سابقًا.
لطيفة الحسيني – العهد